الثلاثاء، 1 فبراير 2011

10 أودية تهدد جدة بلا قنوات تصريف

حذر خبراء الجيولوجيا والمياة أن الأودية الموجودة في جدة تعتبر من الأودية النشطة هيدرولوجيا، وأن إنشاء السدود سواء كانت ترابية أو ركامية أو خرسانية أو قوسية أو جاذبية أو أي نوع آخر من السدود؛ لا تمثل الحل العلمي والمنطقي لمدينة جدة.

وقالوا لـ«عكاظ» إن الحل الوحيد العلمي والمناسب للتخلص من مشاكل السيول في جدة هو حل بسيط لا يحتاج لخبراء لا من الداخل ولا من الخارج، وإن أي حلول أخرى هي إهدار للأموال، ويكمن الحل في إنشاء قنوات تصريف رئيسة من نهاية الأحياء السكنية شرقا لجميع الأودية حتى البحر الأحمر غربا.

ورأى رئيس قسم علوم وإدارة موارد المياه ـ كلية الأرصاد والبيئة ـ جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ناصر بن سليمان العمري أن جدة تقع في السهول الفيضانية لمجموعة من الوديان، وقد تعرضت المدينة في السنوات الأخيرة إلى سيول جارفة، وبالتحديد من عشرة أودية مهمة تقع شرق المدينة، وهي أودية تعتبر من الأودية النشطة هيدرولوجيا، حيث تنبع من ارتفاعات جبلية شاهقة متجهة إلى ساحل البحر الأحمر مهددة في طريقها ما يقابلها من المنشآت العمرانية والخدمية والبنية الأساسية، بما تحمله من كميات كبيرة من المياه وكميات هائلة من الترسبات الرملية والطينية.

وأضاف: أدى الامتداد العمراني شمالا وشرقا وجنوبا وما تبعه من تغيير في مناسيب بعض المناطق، والتعدي على مجاري الأودية، والبناء في مساراتها، بالإضافة إلى شق الشوارع الطولية والعرضية إلى تغيير في معالم الأودية الشرقية وتغيير مسارات الأودية عن مكانها الطبيعي، وانعكس ذلك في زيادة المساحات غير المنفذة للماء، مما قلل من كميات المياه المتسربة إلى داخل التربة، ومن ثم زاد في قوة مياه السيول وسرعتها ومخاطرها التدميرية، كل ذلك في ظل انعدام شبه كامل لشبكة تصريف مياه الأمطار، وشبكة صرف صحي لا تتعدى تغطيتها 15 في المائة من مساحة المدينة، وفي هذا الوضع اقترح الكثير من الحلول التي تركز على إنشاء مجموعة من السدود في بعض الوديان الشرقية، وعمل بعض قنوات التصريف، تم إنشاء بعضها وجار إنشاء البعض الآخر.

وجهة نظر

ويشير الدكتور العمري إلى أن «الحلول المطروحة ـ من وجهة نظري ـ ينقصها وضوح فلسفة الحلول المتكاملة والشاملة، بمعنى هل نهدف من الحلول إلى العلاج اللحظي فقط أم إلى العلاج الجذري والوقاية من مخاطر تلك السيول، حيث إنه في فلسفة العلاج يتم التركيز على المرض نفسه، وتقترح الكثير من الحلول التي تخفف المرض، أما فلسفة العلاج والوقاية فيتم التركيز على المريض وإعطائه العلاج ووسائل الممانعة التي تساعده على مقاومة ومكافحة المرض لاحقا، لأنه لا يمكن حماية كل مريض ولكن يمكن إيجاد بيئة صحية ترفع المقاومة وتقلل من تهديد المرض، وهكذا الشأن في معالجة السيول، فإن الكثير من الجهود والأموال تتجه نحو مواجهة مياه السيول (العلاج فقط)، والقليل جدا من الجهود يتم بذله نحو الوقاية المستقبلية، ورفع كفاءة مقاومة المدينة للسيول وآثارها».

المعالجة الصحيحة

وينوه الدكتور العمري إلى أن فلسفة المعالجة التي يتم تطبيقها حاليا غير واضحة، وهذا هو السبب الحقيقي في كثرة الخسائر واستمرارها، ولهذا فإن ما ينفق من أموال، وما يبذل من جهود، لن يحل المشكلة إذا لم يتم توجيهه بالشكل الصحيح نحو العلاج والوقاية، أما المعالجة الصحيحة للمشكلة فلن تكون بالاستجابة لها بحلول وقتية ومحدودة، ولا بد أن تصاحبها حلول استراتيجية بعيدة المدى أي أن يكون الحل قريبا وبعيد المدى في آن واحد.

الحلول الإنشائية

ويبين أن الحلول الإنشائية وحدها لا يمكن أن تحل مشكلة السيول في جدة على المدى البعيد، فهناك العديد من الحلول غير الإنشائية التي تكفل ضمان وفعالية الحلول الإنشائية، وهي في الحقيقة حلول تأمينية وتكاملية شاملة أي أنها حلول متكاملة وذات أبعاد هندسية وتخطيطية وقانونية وتشريعية وإدارية، فوضوح فلسفة الحل يحدد مساحة الممكن وغير الممكن من التدابير والحلول، كما أنه يحدد نوعية مدى تكاملية الحلول وتنوعها وشموليتها، وهذا ما يجب الاتفاق عليه أولا مهما كانت تكلفته المادية وآثاره الاجتماعية حاليا، ولكنها على المدى الطويل ستكون ذات مردود إيجابي ماديا واجتماعيا.

المدى الطويل

الدكتور العمري يؤكد أن الحلول على المدى الطويل تتطلب، عمل شبكة تصريف أمطار في جميع شوارع جدة، إعادة رصف شوارع جدة بحيث تصرف مياه الأمطار داخل شبكة التصريف، عمل سدود لحماية جدة من جهة الأودية شرق المدينة مع عمل قنوات تصريف المياه الخارجة من السدود والمفيض منها إلى قنوات تصريف نوجهها إلى البحر، دراسة أنظمة التصريف الطبيعية لجميع مجاري الأودية الواقعة شرق جدة باستخدام الصور الجوية والفضائية والخرائط الطبوغرافية قبل وبعد الامتداد العمراني، إعداد خرائط وأشكال ثلاثية الأبعاد توضح المظاهر الطبيعية والمناطق الخطرة المعرضة لأخطار السيول، عمل نمذجة السيول باستخدام برامج الكمبيوتر الهيدرولوجية بهدف التنبؤ بقيمة ذروة التصرف وشكل المنحنى المائي للسيل الذي يعتبر حجر الأساس لكل تصميم هيدروليكي وإنشائي يهدف إلى الحد من مخاطر السيول، عمل قنوات تحويل لمجرى السيل بحيث يستوعب المجرى أقصى تدفق للسيل تهدف هذه القنوات إلى توجية السيول إلى أماكن آمنة لا تسبب أي مخاطر على المنشآت القائمة والأرواح، واستخدام التقنيات الحديثة والبرامج لتحديد أنماط الطقس لعدة أيام مقبلة قد تصل إلى أسبوع وقد تصل هذه التنبؤات الدقيقة إلى عشرة أيام مما يساعد على الاستعداد في السيطرة على إدارة الأزمات إن حدثت.

التغير المناخي

وفي سياق متصل، يقول أستاذ الجيوكيمياء في كلية علوم الأرض في جامعة الملك عبد العزيز البروفيسور عبدالعزيز عبد الملك رادين: أتذكر أنه قبل عشر سنوات أشرت إلى أن الطقس في المملكة سوف يتغير، وذلك بسبب انحراف المجال المغناطيسي للأرض، وهي حقائق علمية منشورة في المجلات العلمية المتخصصة، وحذرت أن هذا التغير سيكون مصحوبا بتغير في معدل هطول الأمطار، وهذا يقتضي عملا سريعا بتنفيذ شبكة تصريف مياه السيول في المدن التي تمر بعمرانها أودية قديمة جفت بسبب عدم هطول الأمطار لسنوات طويلة.

شبكة تصريف

وأضاف «اقترحت عمل شبكة لتصريف مياه هذه الأودية إذا هطلت الأمطار وتصريفها مباشرة إلى البحر، كما اقترحت مسبقا منع البناء أو التخطيط للبناء أو إنشاء أي مرافق حيوية على مخارج هذه الأودية، ونبهت إلى أنه في حالة عدم معرفة الجهات المعنية بمخارج هذه السيول وخصوصا في مكة المكرمة وجدة أن يرجعوا إلى الخرائط الجوية التي تغطي هذه المنطقة، والتي صورت بواسطة البعثة الجيولوجية الأمريكية التي كانت تعمل في المملكة وذلك عام 1956م، وكانت هذه الصور تبين مسارات ومصاب هذه الأودية الرئيسة التي كانت تحيط بمكة وجدة قبل أن ينشأ عليها العمران الحالي».

حلول مكلفة

وأشار إلى أنه لو تم الأخذ بهذه الآراء العلمية في ذلك الوقت لتفادينا كثيرا من هذه المتاعب التي سببتها السيول والأمطار في جدة، فبدلا من أن نمنع البناء في مجاري السيول ومصابها بدأنا الآن نبحث عن حلول أكثر تكلفة وأقل أمانا؛ وهو التوجه إلى بناء السدود في بدايات هذه الأودية حتى نمنع دخول مياه السيول إلى هذه المدن وتخريبها كما هو وارد الآن.

الحلول العلمية

البروفيسور رادين قال: اتفق تماما مع الحلول التي تقترحها الآن المساحة الجيولوجية وهي البدء ببناء السدود ومجار خاصة لتصريف مياه السيول إلى البحر مباشرة، وتسريع مشاريع الصرف الصحي وامتداداتها مهما كلفت ميزانياتها، وإصدار نظام يمنع منعا باتا البناء سواء مساكن أو منشآت مخططات سكنية في مجاري الأودية.

رادين أكد أنه في حالة عدم تنفيذ كل هذه الاقتراحات سوف تتكرر هذه الكوارث بصورة أو أخرى.

أودية الشرق

ويقول استشاري المياه المهندس الدكتور حمود بن مطر الثبيتي: قبل أن أتناول النواحي الهندسية والهيدرولوجية والهيدروجيولوجية فيما يخص محافظة جدة وسيولها ووضع الحلول والمقترحات لها، أذكر هنا حادثة وقعت قديما؛ حيث أتى شخصان يختصمان أمام قاض في قطعة أرض كل منهما يدعي أنها له، وكان قاضيا حكيما ومهندسا فطلب منهما الوقوف على هذه الأرض برفقتهما فلما وقف على الأرض التفت إليهما وقال: معكما خصم ثالث لا يمكنني أن أحكم بينكما وهو غير موجود، فأقسم الخصمان بأغلظ الأيمان أنه لا يوجد ثالث لهما وأنهما الوحيدان المتنازعان على هذه الأرض، فقال لهما ستريانه بعد ستة أشهر انتظراه وسيأتيكما، وبعد ستة أشهر أتت أمطار وسيول على ذلك الموقع المتنازع عليه، وقال للخصمين ألم أقل لكما إن هناك خصما ثالثا لكما، إن الأرض للسيول وليست لكما، إنها مجرى واد وستجري السيول مع مجاريها مهما تخاصمتما ومهما أنشأتما من منشآت.

وأضاف المهندس الدكتور الثبيتي: كما هو معروف للجميع فإن هناك عدة أودية تعبر من شرق مدينة جدة مرورا بالمدينة حتى تصب في البحر الأحمر، وذلك بحكم الميول الطبوغرافية حالها كحال بقية أودية تهامة الأخرى التي لم نر فيها آثار دمار وتخريب ولم تتسبب في إزهاق أرواح وتدمير ممتلكات.

فكرة السدود

ويواصل المهندس الثبيتي: سقطت أمطار العام الماضي على مدينة جدة، وتسببت في إزهاق أرواح وتدمير ممتلكات، وشكلت لجان لوضع حلول ومقترحات لهذه السيول وتنفيذ هذه الحلول والمقترحات فورا، أنا شخصيا لم أشارك في هذه اللجان ولم أطلع حتى على مقترحاتها وحلولها التي اقترحتها، ولكن مما رشح لي من هذه المقترحات أخيرا هو إنشاء سدود في أعالي الأودية التي تصب مياهها في مدينة جدة وتكون سدود حماية لجدة.

حماية المدن

ويستطرد: بحكم أنني مع الصدفة أحمل درجة الماجستير في اختيار مواقع السدود وتحديد أفضل أنواعها ووضع تصاميمها الأولية لا أوافق إطلاقا على هذا مثل هذا الحل، وأرى أن مثل هذا الحل قد يتسبب في كارثة كبيرة على جدة أكبر هولا مما لو لم تنشأ هذه السدود، حيث أنشئ بالفعل سد ترابي في أم الخير، وعادة السدود الترابية لا تنشأ لأغراض حماية المدن أو المجمعات السكانية الأخرى، ولكن ممكن أن تكون سدودا تحويلية وهي التي تغير مجرى السيول من واد لآخر وهذا السد لم يكون تحويليا بل كان لغرض الحماية.

شبكات تصريف

ويأخذ المهندس الثبيتي جانب الحلول فيقول: لا أرى أن إنشاء سدود حماية لمدينة جدة سواء كانت ترابية أو ركامية أو خرسانية أو قوسية أو جاذبية أو أي نوع آخر من السدود هو الحل العلمي والمنطقي لمدينة جدة، وذلك لعدة أسباب من أهمها:

أولا؛ السدود تتعرض للانهيار، إما بسبب غزارة تدفق المياه أو بسبب الزلازل، أو بسبب جذور النباتات، أو حتى بسبب الحيوانات القارضة، والحيوانات القارضة يكون تأثيرها واضحا في السدود الترابية حتى أنها تتسبب في ضعف هذه السيول وتعرضها للانهيار وقت تساقط الأمطار.

ويتطرق المهندس الثبيتي إلى السبب الثاني قائلا: كما هو معروف في السدود ما يسمى بالمفيض Spillway وهو المخرج الذي تخرج منه مياه السد المحصورة خلفه حينما يمتلئ السد «وأظن أنه لم يكن موجودا في سد أم الخير»، فلا بد أن يكون لكل سد مفيض لخروج المياه الزائدة منه، ولنفرض أن اليوم أتت أمطار وسيول وامتلأ خزان السد كاملا بالمياه وأتت غدا أو بعد شهر سيول وأمطار أخرى ستذهب مع مفيض السد، ويصبح السد في هذه الحالة لا قيمة له وسيتسبب في كوارث ومآس في المدينة.

المهندس الثبيتي يؤكد أن الحل الوحيد العلمي والمناسب للتخلص من مشاكل سيول مدينة جدة هو حل بسيط لا يحتاج لخبراء لا من الداخل ولا من الخارج، وأي حلول أخرى هي عبث وإهدار للأموال، وصحيح أن الحل مكلف ولكنه الأفضل لمواجهة المعاناة، لهذا يجب أن تنشأ قنوات تصريف رئيسة من نهاية الأحياء السكنية شرقا لجميع الأودية حتى البحر الأحمر غربا، بعد أن تقدر ذروات تدفق المياه بشكل علمي وصحيح، ويوضع عامل أمان لهذه الذروات في جميع الأودية، وتصمم بعد ذلك هذه القنوات بحيث يراعى عرضها وارتفاعها بما يتلاءم مع ذروات تدفق المياه، ويتم إنشاؤها فورا ابتداء بالأودية التي تشكل خطرا، وتربط هذه القنوات الرئيسة بقنوات فرعية من الأحياء السكنية، تصب مياهها في النهاية في البحر الأحمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق