الثلاثاء، 1 فبراير 2011

10 أودية تهدد جدة بلا قنوات تصريف

حذر خبراء الجيولوجيا والمياة أن الأودية الموجودة في جدة تعتبر من الأودية النشطة هيدرولوجيا، وأن إنشاء السدود سواء كانت ترابية أو ركامية أو خرسانية أو قوسية أو جاذبية أو أي نوع آخر من السدود؛ لا تمثل الحل العلمي والمنطقي لمدينة جدة.

وقالوا لـ«عكاظ» إن الحل الوحيد العلمي والمناسب للتخلص من مشاكل السيول في جدة هو حل بسيط لا يحتاج لخبراء لا من الداخل ولا من الخارج، وإن أي حلول أخرى هي إهدار للأموال، ويكمن الحل في إنشاء قنوات تصريف رئيسة من نهاية الأحياء السكنية شرقا لجميع الأودية حتى البحر الأحمر غربا.

ورأى رئيس قسم علوم وإدارة موارد المياه ـ كلية الأرصاد والبيئة ـ جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور ناصر بن سليمان العمري أن جدة تقع في السهول الفيضانية لمجموعة من الوديان، وقد تعرضت المدينة في السنوات الأخيرة إلى سيول جارفة، وبالتحديد من عشرة أودية مهمة تقع شرق المدينة، وهي أودية تعتبر من الأودية النشطة هيدرولوجيا، حيث تنبع من ارتفاعات جبلية شاهقة متجهة إلى ساحل البحر الأحمر مهددة في طريقها ما يقابلها من المنشآت العمرانية والخدمية والبنية الأساسية، بما تحمله من كميات كبيرة من المياه وكميات هائلة من الترسبات الرملية والطينية.

وأضاف: أدى الامتداد العمراني شمالا وشرقا وجنوبا وما تبعه من تغيير في مناسيب بعض المناطق، والتعدي على مجاري الأودية، والبناء في مساراتها، بالإضافة إلى شق الشوارع الطولية والعرضية إلى تغيير في معالم الأودية الشرقية وتغيير مسارات الأودية عن مكانها الطبيعي، وانعكس ذلك في زيادة المساحات غير المنفذة للماء، مما قلل من كميات المياه المتسربة إلى داخل التربة، ومن ثم زاد في قوة مياه السيول وسرعتها ومخاطرها التدميرية، كل ذلك في ظل انعدام شبه كامل لشبكة تصريف مياه الأمطار، وشبكة صرف صحي لا تتعدى تغطيتها 15 في المائة من مساحة المدينة، وفي هذا الوضع اقترح الكثير من الحلول التي تركز على إنشاء مجموعة من السدود في بعض الوديان الشرقية، وعمل بعض قنوات التصريف، تم إنشاء بعضها وجار إنشاء البعض الآخر.

وجهة نظر

ويشير الدكتور العمري إلى أن «الحلول المطروحة ـ من وجهة نظري ـ ينقصها وضوح فلسفة الحلول المتكاملة والشاملة، بمعنى هل نهدف من الحلول إلى العلاج اللحظي فقط أم إلى العلاج الجذري والوقاية من مخاطر تلك السيول، حيث إنه في فلسفة العلاج يتم التركيز على المرض نفسه، وتقترح الكثير من الحلول التي تخفف المرض، أما فلسفة العلاج والوقاية فيتم التركيز على المريض وإعطائه العلاج ووسائل الممانعة التي تساعده على مقاومة ومكافحة المرض لاحقا، لأنه لا يمكن حماية كل مريض ولكن يمكن إيجاد بيئة صحية ترفع المقاومة وتقلل من تهديد المرض، وهكذا الشأن في معالجة السيول، فإن الكثير من الجهود والأموال تتجه نحو مواجهة مياه السيول (العلاج فقط)، والقليل جدا من الجهود يتم بذله نحو الوقاية المستقبلية، ورفع كفاءة مقاومة المدينة للسيول وآثارها».

المعالجة الصحيحة

وينوه الدكتور العمري إلى أن فلسفة المعالجة التي يتم تطبيقها حاليا غير واضحة، وهذا هو السبب الحقيقي في كثرة الخسائر واستمرارها، ولهذا فإن ما ينفق من أموال، وما يبذل من جهود، لن يحل المشكلة إذا لم يتم توجيهه بالشكل الصحيح نحو العلاج والوقاية، أما المعالجة الصحيحة للمشكلة فلن تكون بالاستجابة لها بحلول وقتية ومحدودة، ولا بد أن تصاحبها حلول استراتيجية بعيدة المدى أي أن يكون الحل قريبا وبعيد المدى في آن واحد.

الحلول الإنشائية

ويبين أن الحلول الإنشائية وحدها لا يمكن أن تحل مشكلة السيول في جدة على المدى البعيد، فهناك العديد من الحلول غير الإنشائية التي تكفل ضمان وفعالية الحلول الإنشائية، وهي في الحقيقة حلول تأمينية وتكاملية شاملة أي أنها حلول متكاملة وذات أبعاد هندسية وتخطيطية وقانونية وتشريعية وإدارية، فوضوح فلسفة الحل يحدد مساحة الممكن وغير الممكن من التدابير والحلول، كما أنه يحدد نوعية مدى تكاملية الحلول وتنوعها وشموليتها، وهذا ما يجب الاتفاق عليه أولا مهما كانت تكلفته المادية وآثاره الاجتماعية حاليا، ولكنها على المدى الطويل ستكون ذات مردود إيجابي ماديا واجتماعيا.

المدى الطويل

الدكتور العمري يؤكد أن الحلول على المدى الطويل تتطلب، عمل شبكة تصريف أمطار في جميع شوارع جدة، إعادة رصف شوارع جدة بحيث تصرف مياه الأمطار داخل شبكة التصريف، عمل سدود لحماية جدة من جهة الأودية شرق المدينة مع عمل قنوات تصريف المياه الخارجة من السدود والمفيض منها إلى قنوات تصريف نوجهها إلى البحر، دراسة أنظمة التصريف الطبيعية لجميع مجاري الأودية الواقعة شرق جدة باستخدام الصور الجوية والفضائية والخرائط الطبوغرافية قبل وبعد الامتداد العمراني، إعداد خرائط وأشكال ثلاثية الأبعاد توضح المظاهر الطبيعية والمناطق الخطرة المعرضة لأخطار السيول، عمل نمذجة السيول باستخدام برامج الكمبيوتر الهيدرولوجية بهدف التنبؤ بقيمة ذروة التصرف وشكل المنحنى المائي للسيل الذي يعتبر حجر الأساس لكل تصميم هيدروليكي وإنشائي يهدف إلى الحد من مخاطر السيول، عمل قنوات تحويل لمجرى السيل بحيث يستوعب المجرى أقصى تدفق للسيل تهدف هذه القنوات إلى توجية السيول إلى أماكن آمنة لا تسبب أي مخاطر على المنشآت القائمة والأرواح، واستخدام التقنيات الحديثة والبرامج لتحديد أنماط الطقس لعدة أيام مقبلة قد تصل إلى أسبوع وقد تصل هذه التنبؤات الدقيقة إلى عشرة أيام مما يساعد على الاستعداد في السيطرة على إدارة الأزمات إن حدثت.

التغير المناخي

وفي سياق متصل، يقول أستاذ الجيوكيمياء في كلية علوم الأرض في جامعة الملك عبد العزيز البروفيسور عبدالعزيز عبد الملك رادين: أتذكر أنه قبل عشر سنوات أشرت إلى أن الطقس في المملكة سوف يتغير، وذلك بسبب انحراف المجال المغناطيسي للأرض، وهي حقائق علمية منشورة في المجلات العلمية المتخصصة، وحذرت أن هذا التغير سيكون مصحوبا بتغير في معدل هطول الأمطار، وهذا يقتضي عملا سريعا بتنفيذ شبكة تصريف مياه السيول في المدن التي تمر بعمرانها أودية قديمة جفت بسبب عدم هطول الأمطار لسنوات طويلة.

شبكة تصريف

وأضاف «اقترحت عمل شبكة لتصريف مياه هذه الأودية إذا هطلت الأمطار وتصريفها مباشرة إلى البحر، كما اقترحت مسبقا منع البناء أو التخطيط للبناء أو إنشاء أي مرافق حيوية على مخارج هذه الأودية، ونبهت إلى أنه في حالة عدم معرفة الجهات المعنية بمخارج هذه السيول وخصوصا في مكة المكرمة وجدة أن يرجعوا إلى الخرائط الجوية التي تغطي هذه المنطقة، والتي صورت بواسطة البعثة الجيولوجية الأمريكية التي كانت تعمل في المملكة وذلك عام 1956م، وكانت هذه الصور تبين مسارات ومصاب هذه الأودية الرئيسة التي كانت تحيط بمكة وجدة قبل أن ينشأ عليها العمران الحالي».

حلول مكلفة

وأشار إلى أنه لو تم الأخذ بهذه الآراء العلمية في ذلك الوقت لتفادينا كثيرا من هذه المتاعب التي سببتها السيول والأمطار في جدة، فبدلا من أن نمنع البناء في مجاري السيول ومصابها بدأنا الآن نبحث عن حلول أكثر تكلفة وأقل أمانا؛ وهو التوجه إلى بناء السدود في بدايات هذه الأودية حتى نمنع دخول مياه السيول إلى هذه المدن وتخريبها كما هو وارد الآن.

الحلول العلمية

البروفيسور رادين قال: اتفق تماما مع الحلول التي تقترحها الآن المساحة الجيولوجية وهي البدء ببناء السدود ومجار خاصة لتصريف مياه السيول إلى البحر مباشرة، وتسريع مشاريع الصرف الصحي وامتداداتها مهما كلفت ميزانياتها، وإصدار نظام يمنع منعا باتا البناء سواء مساكن أو منشآت مخططات سكنية في مجاري الأودية.

رادين أكد أنه في حالة عدم تنفيذ كل هذه الاقتراحات سوف تتكرر هذه الكوارث بصورة أو أخرى.

أودية الشرق

ويقول استشاري المياه المهندس الدكتور حمود بن مطر الثبيتي: قبل أن أتناول النواحي الهندسية والهيدرولوجية والهيدروجيولوجية فيما يخص محافظة جدة وسيولها ووضع الحلول والمقترحات لها، أذكر هنا حادثة وقعت قديما؛ حيث أتى شخصان يختصمان أمام قاض في قطعة أرض كل منهما يدعي أنها له، وكان قاضيا حكيما ومهندسا فطلب منهما الوقوف على هذه الأرض برفقتهما فلما وقف على الأرض التفت إليهما وقال: معكما خصم ثالث لا يمكنني أن أحكم بينكما وهو غير موجود، فأقسم الخصمان بأغلظ الأيمان أنه لا يوجد ثالث لهما وأنهما الوحيدان المتنازعان على هذه الأرض، فقال لهما ستريانه بعد ستة أشهر انتظراه وسيأتيكما، وبعد ستة أشهر أتت أمطار وسيول على ذلك الموقع المتنازع عليه، وقال للخصمين ألم أقل لكما إن هناك خصما ثالثا لكما، إن الأرض للسيول وليست لكما، إنها مجرى واد وستجري السيول مع مجاريها مهما تخاصمتما ومهما أنشأتما من منشآت.

وأضاف المهندس الدكتور الثبيتي: كما هو معروف للجميع فإن هناك عدة أودية تعبر من شرق مدينة جدة مرورا بالمدينة حتى تصب في البحر الأحمر، وذلك بحكم الميول الطبوغرافية حالها كحال بقية أودية تهامة الأخرى التي لم نر فيها آثار دمار وتخريب ولم تتسبب في إزهاق أرواح وتدمير ممتلكات.

فكرة السدود

ويواصل المهندس الثبيتي: سقطت أمطار العام الماضي على مدينة جدة، وتسببت في إزهاق أرواح وتدمير ممتلكات، وشكلت لجان لوضع حلول ومقترحات لهذه السيول وتنفيذ هذه الحلول والمقترحات فورا، أنا شخصيا لم أشارك في هذه اللجان ولم أطلع حتى على مقترحاتها وحلولها التي اقترحتها، ولكن مما رشح لي من هذه المقترحات أخيرا هو إنشاء سدود في أعالي الأودية التي تصب مياهها في مدينة جدة وتكون سدود حماية لجدة.

حماية المدن

ويستطرد: بحكم أنني مع الصدفة أحمل درجة الماجستير في اختيار مواقع السدود وتحديد أفضل أنواعها ووضع تصاميمها الأولية لا أوافق إطلاقا على هذا مثل هذا الحل، وأرى أن مثل هذا الحل قد يتسبب في كارثة كبيرة على جدة أكبر هولا مما لو لم تنشأ هذه السدود، حيث أنشئ بالفعل سد ترابي في أم الخير، وعادة السدود الترابية لا تنشأ لأغراض حماية المدن أو المجمعات السكانية الأخرى، ولكن ممكن أن تكون سدودا تحويلية وهي التي تغير مجرى السيول من واد لآخر وهذا السد لم يكون تحويليا بل كان لغرض الحماية.

شبكات تصريف

ويأخذ المهندس الثبيتي جانب الحلول فيقول: لا أرى أن إنشاء سدود حماية لمدينة جدة سواء كانت ترابية أو ركامية أو خرسانية أو قوسية أو جاذبية أو أي نوع آخر من السدود هو الحل العلمي والمنطقي لمدينة جدة، وذلك لعدة أسباب من أهمها:

أولا؛ السدود تتعرض للانهيار، إما بسبب غزارة تدفق المياه أو بسبب الزلازل، أو بسبب جذور النباتات، أو حتى بسبب الحيوانات القارضة، والحيوانات القارضة يكون تأثيرها واضحا في السدود الترابية حتى أنها تتسبب في ضعف هذه السيول وتعرضها للانهيار وقت تساقط الأمطار.

ويتطرق المهندس الثبيتي إلى السبب الثاني قائلا: كما هو معروف في السدود ما يسمى بالمفيض Spillway وهو المخرج الذي تخرج منه مياه السد المحصورة خلفه حينما يمتلئ السد «وأظن أنه لم يكن موجودا في سد أم الخير»، فلا بد أن يكون لكل سد مفيض لخروج المياه الزائدة منه، ولنفرض أن اليوم أتت أمطار وسيول وامتلأ خزان السد كاملا بالمياه وأتت غدا أو بعد شهر سيول وأمطار أخرى ستذهب مع مفيض السد، ويصبح السد في هذه الحالة لا قيمة له وسيتسبب في كوارث ومآس في المدينة.

المهندس الثبيتي يؤكد أن الحل الوحيد العلمي والمناسب للتخلص من مشاكل سيول مدينة جدة هو حل بسيط لا يحتاج لخبراء لا من الداخل ولا من الخارج، وأي حلول أخرى هي عبث وإهدار للأموال، وصحيح أن الحل مكلف ولكنه الأفضل لمواجهة المعاناة، لهذا يجب أن تنشأ قنوات تصريف رئيسة من نهاية الأحياء السكنية شرقا لجميع الأودية حتى البحر الأحمر غربا، بعد أن تقدر ذروات تدفق المياه بشكل علمي وصحيح، ويوضع عامل أمان لهذه الذروات في جميع الأودية، وتصمم بعد ذلك هذه القنوات بحيث يراعى عرضها وارتفاعها بما يتلاءم مع ذروات تدفق المياه، ويتم إنشاؤها فورا ابتداء بالأودية التي تشكل خطرا، وتربط هذه القنوات الرئيسة بقنوات فرعية من الأحياء السكنية، تصب مياهها في النهاية في البحر الأحمر.

التطوع من الإنترنت إلى الأحياء المتضررة

تشكلت فرق تطوعية شبابية من الجنسين عبر موقع التواصل الاجتماعي Facebook وهي تجوب المواقع المتضررة منذ أمطار الأربعاء الثاني، لتقديم يد العون والمساعدة. ومن تلك الفرق الشبابية «مجموعة الرحمة» المتكون من 600 متطوعة ومتطوع.
عن طريقة عمل الفريق تقول رئيسة المجموعة علية الهادي «لدينا تجربة في كارثة أربعاء ذي الحجة، والفارق بين التجربتين أن المشاركة هذه المرة تأتي أكثر وعيا وإدراكا لثقافة التطوع». وحول آلية عمل الفريق أوضحت الهادي «مجموعة الرحمة تنقسم إلى ثلاث مجموعات، الأولى تعمل ميدانيا في الأحياء المتضررة من خلال توفيرهم لسيارات الدفع الرباعي لنقل السكان المتضررين من أحياء السامر والبغدادية والمجموعة الثانية فرقة إغاثية بالتعاون مع الغرفة التجارية في مركز المعارض ودورها توصيل الإغاثة إلى الجمعيات الخيرية بمعدل 50 كرتونا في كل عملية توصيل للمواد الغذائية ومستلزمات النظافة، فيما تعمل المجموعة الثالثة من الفريق بمجهودات مشتركة مع جمعية البيئة السعودية عبر عمل بيئي ميداني ودورهم يتمثل في إزالة مخلفات الأمطار والسيول، وذلك من خلال تأمين أجهزة شفط المياه وتأمين أدوات النظافة».
وترى الهادي، أن العمل التطوعي بحاجة لمظلة رسمية.
وعن كيفية معرفة الجهات الحكومية والخاصة بالفرق التطوعية أشارت علية الهادي، أن تواجدهم على الفيس بوك يعد همزة الوصل بين الفرق التطوعية وبين قطاعات العمل، وتؤكد أن وجود مظلة دائمة رسمية للمتطوعين كفيلة بتنظيم العمل التطوعي وسهولة التواصل مع خدمات المتطوعين.
ومن جانبه، يقترح هيثم قاري أحد المشرفين في فريق إنقاذ جدة، ضرورة وجود وزارة تعنى بالتطوع والمتطوعين تعمل على تدريبهم ورفع أدائهم التطوعي لترسيخ ثقافة تعامل المتطوع مع الأزمات، وخصوصا في العمل الميداني.
وترى المتطوعة في مركز المعارض ضحى صبان، ضرورة إيجاد نظام موحد في آلية العمل حتى لا يصدر أكثر من قرار في اليوم الواحد للعمل، خاصة أن هناك متطوعين حديثي التجربة لاتتوفر لديهم خلفية عن آلية وتنظيم العمل.
وبدوره، يؤيد الرأي السابق عضو فريق إنقاذ جدة عامر أحمد أهمية توفر مؤسسة حكومية دائمة تتوفر لديها قاعدة بيانات عن المتطوعات والمتطوعين، إضافة لضرورة أن يكون للمتطوع بطاقة تحمل ميزات لتشجيع الشباب على الانتماء

كابوس السيول يؤرق العائدين من الموت

احتار سكان العروس في تفسير رؤيا مطر الأربعاء، فأجمع الخائفون أن ماحدث كابوس مخيف أرهق العقول ورسم الألم في النفوس، وأيضا أجمعوا على أن الهروب من الواقع والمكان خير وسيلة لنسيان ساعة ألم أمطرت فيها السماء فغرقت الأرض.
يروي سكان أحياء جدة أن أولى قطرات المطر لم تكن سوى فرحة دغدغت مشاعر الأطفال فألهبت مشاعرهم للتراقص تحته، وما إن تعالت ضحكاتهم حتى تحول إلى وحش مفترس هتك فرحتهم وأرهق طفولتهم.
يقول ماجد المطيري من سكان حي بني مالك المتاخم لشارع فلسطين المكان المصنف بأنه صاحب نصيب كبير من الضرر «أبي متزوج من ثلاث نساء وعدد أفراد أسرتنا 24 شخصا، ونسكن في بيت شعبي مكون من ثلاثة أجزاء كل أسرة تسكن في جزء».
وزاد «داهمتنا أمطار الأربعاء ولم نكن نتوقع خطورة الوضع، فالأطفال فرحوا وكانوا يلعبون تغمرهم الفرحة، ولكن بعد وقت قصير بدأ الخوف يتسلل إلينا، وبدأت الأمطار تدخل المنزل من كل مكان من السقف والنوافذ حتى أخذت المياه في الارتفاع، وبدأت أجزاء من المنزل تتصدع، وعلى الفور جمعنا أنفسنا وتركنا المنزل متجهين إلى بيت أحد أقاربنا».
وأضاف المطيري «بعد أن أقلعت السماء عدنا إلى منزلنا فوجدناه غارقا في الماء، فالمياه وصل ارتفاعها إلى ما يقارب المتر، ولم يكن أمامنا سوى الذهاب إلى الدفاع المدني وعلى الفور تم تسكيننا في شقق مفروشة لحين عودة الحياة إلى طبيعتها».
من جهتها، وصفت خديجة العرياني المقيمة في حي الجامعة الحال أثناء سقوط المطر قائلة «داهمتنا الأمطار ودخلت من كل مكان في المنزل من السقف والنوافذ، كانت تتدفق بشكل مخيف، ما جعلنا أنا وأختي كل منا تحمل طفلا وحاولنا الهرب إلى منزل والدنا».
وأشارت العرياني إلى أن المطر لم يمهلهم طويلا، إذ إن سقف المنزل انهار على رؤوسهم لكن الله أنجاهم وكتب لهم عمرا جديدا.
وأوضحت المتطوعة سحر بحراوي التي تعمل تحت مظلة جمعية البر أنها أخذت على نفسها عهدا بإغاثة المهجرين عن طريق حصر أعداد حالات أصحاب مرضى الضغط والسكر الذين لم تمكنوا من أخذ أدويتهم من بيوتهم بسبب الدمار الذي لحق بهذه البيوت، كذلك الأطفال الذين لديهم أزمات صدرية أو إسهال بسبب التلوث. تقول «من يحتاج إغاثة طارئة نذهب به إلى المستوصفات، ومن أراد العلاج لأمراض مزمنة صرفناه لهم، وهذا الدور قمنا به في العام الماضي وتمت مساعدة الكثير، ونتمنى أن نقدم المساعدة لكل من تضرر من سيل الأربعاء».
أما أسرة عبد الله الشرعبي المكونة من أربعة أفراد (من سكان الشرفية) فقد احتجزوا داخل المنزل والمياه تغمرهم لمدة يوم كامل، في ظل انقطاع الكهرباء بسبب الأمطار، ولم يتم إنقاذهم إلا في اليوم الثاني عن طريق قوارب الدفاع المدني الذي ذهب بهم إلى مقره، ومن ثم وفر لهم مأوى في شقة مفروشة.
وفي مشهد آخر يمثل الرعب، تقول حده حسن عبيد «من شدة الأمطار احترقت علبة الكهرباء الخارجية للعمارة وأصبح الشرر يتطاير وشعرنا برعب وخرجنا مذعورين من المنزل، وجلسنا في الشارع لفترة طويلة حتى تم تأمين سكن لنا، لحين إصلاح ما أفسده المطر».
من جهتها، أوضحت أم عبد الله (تشادية الجنسية) أنها وأفراد أسرتها العشرة فقدوا كل الأوراق التي تثبت هوياتهم فأخذها السيل برفقته تاركا إياهم في المصير المجهول.
من جهته، أوضح مدير إدارة الدفاع المدني في محافظة جدة العميد عبد الله جداوي أنه في حالات الطوارئ أجبر الناس على الخروج من مساكنهم لصعوبة العيش فيها لسبب أو لآخر.
وأضاف العميد الجداوي أن الدفاع المدني يتولى عملية إيواء المتضررين في مراكز إيواء (شقق مفروشة)، وإيواؤهم يتم بتنسيق بين الدفاع المدني ووزارة المالية، وهناك قوائم نأخذها من هيئة السياحة بأماكن الشقق المفروشة ونحول عليها المتضررين، ونترك حرية الخيار في السكن للمتضرر نفسه فهو الذي يختار المكان والسكن

سيول جدة تجرف ملياراً من جيوب المواطنين

تصدرت السيارات قائمة الخسائر، بقيمة تقدر بحوالي 225 مليون ريال، فيما تصدرت المباني المدرسية التابعة لوزارة التربية والتعليم بشقيها (البنين والبنات) المركز الأول بين القطاعات الحكومية الأكثر تضررا، جاءت موزعة بين ستة أحياء، ومنها مدرسة للبنات تقع في حي النخيل لم تعد صالحة للعملية التعليمية.

وبرزت الورش الصناعية ولاسيما ورش إصلاح السيارات، والأوناش، وصهاريج المياه كأول المستفيدين، الذين حققوا أرباحا تصل إلى 300 في المائة، مقارنة بالأيام الاعتيادية، حيث قفز سعر صهريج المياه إلى 700 ريال، والونش إلى 500 ريال في اليومين الأولين من وقوع الكارثة.

وقدرت الأوساط التجارية إجمالي الخسائر في القطاع الخاص بأكثر من مليار ريال، احتل قطاع السيارات المركز الأول.

وكانت المركبات ذات الصنع الإلكتروني الأكثر تضررا، حيث قدر المتعاملون عدد السيارات التي تعرضت للتلف بأكثر من خمسة آلاف سيارة، يبلغ متوسط سعر المركبة الواحدة 45 ألف ريال.

وجاء قطاع الأثاث في المركز الثاني، تلاه المستودعات، ثم مستلزمات الاتصالات والتقنية، وجاءت المحال التجارية التي تتخذ من شارع فلسطين مقرا لها، الأكثر ضررا.

وأبدى التجار تخوفهم من اختلاط المواد البترولية مع مياه السيول، ما قد يسبب أعطالا مستقبلية للمركبات.

من جهته، قدرت مصادر تعليمية عدد المدارس التي لحقت بها أضرار تفوق 80 مدرسة (بنين وبنات) تبلغ تكاليف إعادة إصلاح هذه المدارس بحوالي مليوني ريال، بمعدل متوسط 25 ألف ريال لكل مدرسة.

وأشارت المصادر إلى أن أغلب المدارس المتضررة موزعة بين أحياء النخيل والتوفيق والسامر والنسيم والشرفية والرويس، مبينا أن التكاليف سوف يتم إنفاقها على إزالة الطمي وإعادة الواجهات والأسوار وطلائها من جديد، فيما سيتم البحث عن مبان جديدة للمدارس التي لحقت بها أضرار فادحة، تجعل من الصعب استئناف الدراسة داخلها في الفصل الدراسي الثاني.

وتوقع أصحاب المحال التجارية أن تشهد الأسعار ارتفاعا في سوق الأثاث، وكذلك مغاسل السيارات. وأشاروا إلى أن مغاسل السيارات شهدت إقبالا في اليومين الماضيين، وارتفعت أسعار غسيل السيارة الواحدة من 20 ريالا إلى 150 ريالا، وارتفاع سعر قطعة الكنب المكون من خمس قطع من سعر ثلاثة آلاف ريال إلى 3500 ريال، والأجهزة الكهربائية ارتفع سعر الثلاجة 23 قدما من 4460ريالا إلى 5200 ريال، وفريزر 12 قدما من 1950 إلى 2100 ريال، والغسالة 10 كيلو من 2350 ريالا إلى 2500 ريال.

وبين مواطنون تعرض أثاث منازلهم للتلف أنهم رصدوا ما بين 20 إلى 30 ألف ريال، لشراء المستلزمات الضرورية التي تعرضت للغرق.

وجاء سكان المنطقة الواقعة شرق الخط السريع أكثر المناطق تضررا من جراء السيول.

أطلقنا 11 إنذارا بالأمطار قبل كارثة الأربعاء

أكد الدكتور عبدالله الجازع مدير المركز الأقليمي للأرصاد وحماية البيئة في منطقة مكة المكرمة، أن الـ 11 إنذارا التي ارسلت إلى مختلف الجهات الحكومية في محافظة جدة ضمن بروتوكول عمل الأرصاد الذي أقره سمو النائب الثاني حيث يتم إبلاغ الجهات بالأحوال الجوية المتوقعة ما بين ثلاثة إلى خمسة أيام وقبل ستة ساعات من وقوع الحدث وأن هناك عشرة مراكز إنذار مبكر على مستوى المملكة لرصد أي توقعات جوية.

ومن جهته كشف لـ «عكاظ» مدير الإدارة العامة للتحاليل والتوقعات في هيئة الأرصاد وحماية البيئة شاهر الحازمي، أن الهيئة أحاطت الجهات المعنية باقتراب السحب الرعدية الممطرة من خلال 11 تحذيرا أصدرتها قبل هطول أمطار الأربعاء بـ 5 أيام، كان آخرها قبيل الكارثة بست ساعات. وبين أن الهيئة خاطبت الجهات المعنية في الدفاع المدني، وأحاطتها بالتوقعات كاملة، مع إضافة تأكيدات للمواقع التي ستشهد هطول السحب الرعدية، وكثافة السيول في جدة على الصفحة الإلكترونية للأرصاد. في ذات السياق لفت مدير إدارة الورديات في هيئة الأرصاد خالد قاسم، إلى أن رادارات المراقبة تعمل بنظام متطور يمكن أجهزة الرصد من خلاله متابعة حركة السحب على بعد 200 كم قبل وصولها للمناطق المتوقع هطولها عليها.

وبين قاسم أنه بإمكان وحدة الرادارات والأقمار الصناعية، تحديد المواقع التي ستشهد غزارة للأمطار والتي تقع ضمن نطاق الخطر، مشيرا إلى أن الوحدة تعمل على تقارير شاملة عن الحالة الجوية والتوقعات خلال 72 ساعة

لماذا غرقت جدة مرتين في 14 شهراً ؟

لماذا غرقت جدة مرتين في عامين؟، سؤال لا يحتاج إلى مثابرة للإجابة عليه، فالمدينة الكبيرة التي تمتد على مساحة 470 كيلومترلماذا غرقت جدة مرتين في عامين؟، سؤال لا يحتاج إلى مثابرة للإجابة عليه، فالمدينة الكبيرة التي تمتد على مساحة 470 كيلومترا مربعا تخلو 70 في المائة من أحيائها من مشاريع لتصريف قطرات المطر ومياه السيول، كما أن 37 في المائة من هذه الأحياء أنشئت بطريقة غير نظامية تحت جنح الظلام، حتى أضحت واحدة من أكبر مدن العالم عشوائية وتهالكا في بنيتها التحتية.
جولة سريعة على أحياء شرق جدة تكشف لك حجم التناقضات، حيث تفترش المخططات بطون الأودية، وتنتصب عشرات العمائر السكنية وسط مجاري السيول، في ظل غياب واضح لأداء الأمانة وصمت لجان المراقبة والبلديات الفرعية.
يشق جدة من شرقها ـ حيث مناطق الغرق ـ حتى ضفاف البحر غربا خمسة أودية شهيرة هي الأكثر خطورة، ثبت تاريخيا أنها تشكل هاجسا وخطرا داهما على الإنسان والمكان. ورغم تكرر الفواجع منذ عشرات السنين وآخرها ما حدث في سيول عام 1430هـ، إلا أن الأمانة لم تضع في حسبانها مخططا يدرأ عن سكان المدينة الساحلية خطر الكوارث، وما تم إنشاؤه من مشاريع بحسب المختصين في علوم تخطيط المدن لا يتجاوز معالجات آنية لا تدرأ عن المدينة الخطر الداهم.
يلخص رئيس هيئة المساحة الجيولوجية الدكتور زهير نواب حاجة جدة من مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار قائلا «المدينة في حاجة إلى ثمانية سدود تمتد من حي قويزة في جنوب جدة إلى الشمال من جهة الشرق، هذه هي خلاصة الدراسات التي نفذها خبراء ومختصون على درجة عالية من المسؤولية والتأهيل».
وزاد «حصرنا مكامن الخطر، وحلقنا في الطائرات ووجدنا أن مدينة جدة تحيط بها من جهة الشرق جبال وتشقها أودية، ولهذا لا بد من تنفيذ مشاريع تدرأ الخطر عن المدينة الساحلية».
يجزم الدكتور محمد دوعان الأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا في جامعة جدة أن بعض الأحياء التي أنشئت شيدت في بطون أودية وهذا هو مكمن الخطر، ويضيف «تحاصر جدة ثلاثة أودية خطرة هي بني مالك، مريخ، غليل ولهذا لا بد من معالجات تنطق من خطط تستوعب الثوابت والهواجس والأمور المقلقة».
تشير خطط أمانة جدة التي أعلنتها لحصر وإعداد مخططات تفصيلية لمجاري الأودية إلى أنه تم تقسيم المدينة إلى ثلاثة مربعات، الأول شرق الخط السريع وتضمن 70 مخططا تم الانتهاء من الدراسة بشأنها، والثاني شمال جدة تتضمن 141 مخططا جار العمل فيها وستستغرق تم الانتهاء منها بنهاية شهر ذي الحجة، فيما تقع المرحلة الثالثة في جنوب جدة وتحوي 48 مخططا انطلق العمل فيها خلال شهر محرم.
وتؤكد الأمانة أن هيئة المساحة الجيولوجية نفذت الدراسات الخاصة بتحديد حرم مجاري السيول وتسليم خريطة مجاري الأودية لـ«الأمانة» طبقا لما انتهت إليه الدراسة التي أعدتها بالتعاون من جامعة الملك عبد العزيز للأودية الثلاثة.
وبحسب الدراسة، فإن الرأي استقر إلى تقليص عرض مجاري السيول من 500 م إلى ثلاث فئات بعروض تتراوح بين 200م للأودية الرئيسة، و100 للأودية الثانوية، و50م للأودية الأولية، ما أدى إلى تقليص عدد المخططات المتقاطعة مع العروض الجديدة.
وأفضت الدراسات التي تناقش لدى إدارة تخطيط مدينة جدة في الأمانة إلى أنه تم رصد نحو 70 مخططا في حاجة إلى شق قنوات لتصريف السيول.
المهندس محمد الشريف (ماجستير في تخطيط المدن) يؤكد أن جدة في حاجة إلى رؤية مستقبلية، يمكن خلقها إما بالاستعانة ببيوت خبرة محلية، أو من خلال التعاون مع شركات عالمية لديها الدراية الكافية بهذا الشأن، ويضيف «من المقومات الأساسية لإنشاء أي مخطط، وهو ما يعرف هندسيا بالنواة الأولى في المدينة تخطيط مشاريع تصريف السيول، إلى جانب تأمين بنية تحتية تلبي كل الاحتياجات، المستقبلية من مياه وصرف صحي وتمديدات شاملة لكل شيء، كهرباء هاتف وغيرها».
ويوصي بأن يتم تشريح المدينة إلى مربعات وفق المناسيب والارتفاعات، بحيث يتم شق قنوات تصريف مياه السيول والأمطار على هيئة صناديق خرسانية واسعة وعريضة يمكن أن تعبر في داخلها مركبة لإجراء أعمال النظافة والصيانة الدورية، ويمكن الوصول إليها من جميع النقاط، هذا هو المعمول به عالميا، وهذا ما ينفذ في كثير من المدن التي تشهد أمطارا غزيرة.
من جهته، يجزم مسؤول رفيع سبق له العمل في أمانة جدة أنه لا توجد دراسات استراتيجية تحدد مستقبل مدينة جدة، مؤكدا أن المدينة التي يزيد عدد سكانها على 4 ملايين نسمة وتمثل بوابة اقتصادية للمملكة لا يوجد مخطط مستقبلي تفصيلي لها، وأضاف «انشغلت الأمانة مع الأسف بقضايا تجميل المدينة، وإزالة العشوائيات، وتحسين الشوارع، وتناست أهم مشروع استراتيجي في البنية التحتية وهو مشروع تصريف السيول».
وكيل أمانة جدة للتعمير والمشاريع المهندس علوي سميط، أكد تخصيص مبلغ 100 مليون ريال لإنشاء سد وادي قوس، والمكون من ثلاثة سدود لحماية أحياء الصواعد والحرازات والجامعة إضافة إلى المساعد.
وبين سميط أن الأمانة وبالتنسيق مع هيئة المساحة الجيولوجية أعدت دراسة تفصيلية عن السدود في المدينة، وذلك ضمن الحلول العاجلة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين واللجنة المكلفة، وأضاف في تصريح سابق هناك نتائج ستعلن قريبا عن سد وادي غليل ووادي مثوب، وهي تحت الدراسة، إضافة إلى أنه تم تخصيص مبلغ 30 مليون ريال لمشروع دراسة الأودية من جنوب الحدود الإدارية لجدة إلى شمالها، وتشمل الدراسة كل السدود المتبقية.
ا مربعا تخلو 70 في المائة من أحيائها من مشاريع لتصريف قطرات المطر ومياه السيول، كما أن 37 في المائة من هذه الأحياء أنشئت بطريقة غير نظامية تحت جنح الظلام، حتى أضحت واحدة من أكبر مدن العالم عشوائية وتهالكا في بنيتها التحتية.
جولة سريعة على أحياء شرق جدة تكشف لك حجم التناقضات، حيث تفترش المخططات بطون الأودية، وتنتصب عشرات العمائر السكنية وسط مجاري السيول، في ظل غياب واضح لأداء الأمانة وصمت لجان المراقبة والبلديات الفرعية.
يشق جدة من شرقها ـ حيث مناطق الغرق ـ حتى ضفاف البحر غربا خمسة أودية شهيرة هي الأكثر خطورة، ثبت تاريخيا أنها تشكل هاجسا وخطرا داهما على الإنسان والمكان. ورغم تكرر الفواجع منذ عشرات السنين وآخرها ما حدث في سيول عام 1430هـ، إلا أن الأمانة لم تضع في حسبانها مخططا يدرأ عن سكان المدينة الساحلية خطر الكوارث، وما تم إنشاؤه من مشاريع بحسب المختصين في علوم تخطيط المدن لا يتجاوز معالجات آنية لا تدرأ عن المدينة الخطر الداهم.
يلخص رئيس هيئة المساحة الجيولوجية الدكتور زهير نواب حاجة جدة من مشاريع تصريف مياه السيول والأمطار قائلا «المدينة في حاجة إلى ثمانية سدود تمتد من حي قويزة في جنوب جدة إلى الشمال من جهة الشرق، هذه هي خلاصة الدراسات التي نفذها خبراء ومختصون على درجة عالية من المسؤولية والتأهيل».
وزاد «حصرنا مكامن الخطر، وحلقنا في الطائرات ووجدنا أن مدينة جدة تحيط بها من جهة الشرق جبال وتشقها أودية، ولهذا لا بد من تنفيذ مشاريع تدرأ الخطر عن المدينة الساحلية».
يجزم الدكتور محمد دوعان الأستاذ المشارك في قسم الجغرافيا في جامعة جدة أن بعض الأحياء التي أنشئت شيدت في بطون أودية وهذا هو مكمن الخطر، ويضيف «تحاصر جدة ثلاثة أودية خطرة هي بني مالك، مريخ، غليل ولهذا لا بد من معالجات تنطق من خطط تستوعب الثوابت والهواجس والأمور المقلقة».
تشير خطط أمانة جدة التي أعلنتها لحصر وإعداد مخططات تفصيلية لمجاري الأودية إلى أنه تم تقسيم المدينة إلى ثلاثة مربعات، الأول شرق الخط السريع وتضمن 70 مخططا تم الانتهاء من الدراسة بشأنها، والثاني شمال جدة تتضمن 141 مخططا جار العمل فيها وستستغرق تم الانتهاء منها بنهاية شهر ذي الحجة، فيما تقع المرحلة الثالثة في جنوب جدة وتحوي 48 مخططا انطلق العمل فيها خلال شهر محرم.
وتؤكد الأمانة أن هيئة المساحة الجيولوجية نفذت الدراسات الخاصة بتحديد حرم مجاري السيول وتسليم خريطة مجاري الأودية لـ«الأمانة» طبقا لما انتهت إليه الدراسة التي أعدتها بالتعاون من جامعة الملك عبد العزيز للأودية الثلاثة.
وبحسب الدراسة، فإن الرأي استقر إلى تقليص عرض مجاري السيول من 500 م إلى ثلاث فئات بعروض تتراوح بين 200م للأودية الرئيسة، و100 للأودية الثانوية، و50م للأودية الأولية، ما أدى إلى تقليص عدد المخططات المتقاطعة مع العروض الجديدة.
وأفضت الدراسات التي تناقش لدى إدارة تخطيط مدينة جدة في الأمانة إلى أنه تم رصد نحو 70 مخططا في حاجة إلى شق قنوات لتصريف السيول.
المهندس محمد الشريف (ماجستير في تخطيط المدن) يؤكد أن جدة في حاجة إلى رؤية مستقبلية، يمكن خلقها إما بالاستعانة ببيوت خبرة محلية، أو من خلال التعاون مع شركات عالمية لديها الدراية الكافية بهذا الشأن، ويضيف «من المقومات الأساسية لإنشاء أي مخطط، وهو ما يعرف هندسيا بالنواة الأولى في المدينة تخطيط مشاريع تصريف السيول، إلى جانب تأمين بنية تحتية تلبي كل الاحتياجات، المستقبلية من مياه وصرف صحي وتمديدات شاملة لكل شيء، كهرباء هاتف وغيرها».
ويوصي بأن يتم تشريح المدينة إلى مربعات وفق المناسيب والارتفاعات، بحيث يتم شق قنوات تصريف مياه السيول والأمطار على هيئة صناديق خرسانية واسعة وعريضة يمكن أن تعبر في داخلها مركبة لإجراء أعمال النظافة والصيانة الدورية، ويمكن الوصول إليها من جميع النقاط، هذا هو المعمول به عالميا، وهذا ما ينفذ في كثير من المدن التي تشهد أمطارا غزيرة.
من جهته، يجزم مسؤول رفيع سبق له العمل في أمانة جدة أنه لا توجد دراسات استراتيجية تحدد مستقبل مدينة جدة، مؤكدا أن المدينة التي يزيد عدد سكانها على 4 ملايين نسمة وتمثل بوابة اقتصادية للمملكة لا يوجد مخطط مستقبلي تفصيلي لها، وأضاف «انشغلت الأمانة مع الأسف بقضايا تجميل المدينة، وإزالة العشوائيات، وتحسين الشوارع، وتناست أهم مشروع استراتيجي في البنية التحتية وهو مشروع تصريف السيول».
وكيل أمانة جدة للتعمير والمشاريع المهندس علوي سميط، أكد تخصيص مبلغ 100 مليون ريال لإنشاء سد وادي قوس، والمكون من ثلاثة سدود لحماية أحياء الصواعد والحرازات والجامعة إضافة إلى المساعد.
وبين سميط أن الأمانة وبالتنسيق مع هيئة المساحة الجيولوجية أعدت دراسة تفصيلية عن السدود في المدينة، وذلك ضمن الحلول العاجلة التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين واللجنة المكلفة، وأضاف في تصريح سابق هناك نتائج ستعلن قريبا عن سد وادي غليل ووادي مثوب، وهي تحت الدراسة، إضافة إلى أنه تم تخصيص مبلغ 30 مليون ريال لمشروع دراسة الأودية من جنوب الحدود الإدارية لجدة إلى شمالها، وتشمل الدراسة كل السدود المتبقية.